سلامة الصدر وسبل تحصيلها

سلامة الصدر وسبل تحصيلها

لفضيلة الشيخ عدنان بن عبد الله القطان

17 محرم 1445 هـ – 4 أغسطس 2023 م

————————————————————————–

 

الحمد لله الذي تفرّد بكلّ كمال، واختصّ بأبهى جمال وأعلى جلال، وتفضّل على عباده بجزيل النوال، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الكبير المتعال، المنزه عن الأشباه والأنداد والأمثال، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، كريم السجايا وشريف الخصال، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه خير صحب وآل، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم المآل وسلم تسليماً كثيراً.

أمّا بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

معاشر المسلمين: إنّ سعادةَ القلب، وسرور النفس، وطيبَ العيش وصفاء الحياة، غايةٌ يسعى إليها الناس جميعاً، وهدفٌ ينشده الخلق كافة، وأملٌ يرجو بلوغَه العقلاء عامّة، فتراهم يعملون كلَّ وسيلة، ويتَّخذون كلَّ سبب، ويركبون كلَّ مركب، يبلغون به هذه الغايةَ، ويصلون به إلى هذا المراد. غيرَ أنّ من أنار الله بصيرتَه وألهمه رشده، يعلم أن سلامةَ الصدر مِن الأحقاد، وبراءَته من الضغائن، وصيانته من الشحناء والكراهية، هو من أعظم ما يدرك به المرء حظَّه من السعادة، وينال به نصيبه من الفوز النجاح... إنها سلامة الصدر وطهارته يا عباد الله التي تبدو واضحةً في حب المسلم الصادق الخير للناس جميعاً، وسروره بما يسوق الله إلى عباده من نِعم، وفي براءة نفسه من حمل الحقدِ على إخوانه وإضمار الضغينة لهم، وفي طهارة قلبه من الفرح بآلامهم وأحزانهم والسرور بما ينزل بهم من مصائب ورزايا. ولِمَ لا يكون هذا شأنَه وهو يتلو قول ربه الأعلى سبحانه في كتابه حكايةً عن دعاء المؤمنين الصادقين المخبتين، في دعائهم الصادق المخبت: (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) ويقرأ قولَ النبي صلى الله عليه وسلم حين سأله أحد أصحابه رضي الله عنه: (أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ صَدُوقِ اللِّسَان. قَالُوا: صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْب؟ قَال: هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ لَا إِثْمَ فِيهِ وَلَا بَغْيَ وَلَا غِلَّ وَلَا حَسَد). ويسمع قوله صلى الله عليه وسلم عن أحد أصحابه: (يطلع عليكم الآنَ رجلٌ من أهل الجنة)، وتكرَّر ذلك الموقف في ثلاثةِ مجالس، فلمّا تبِعه عبد الله بن عمرو رضي الله عنه ليرى ما يفعَل من الطاعة، فلم يَر كبيرَ عمَلٍ فسأله: ما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه؟ فقال الرجل: ما هو إلاّ ما رأيتَ، فقال عبد الله: فلمّا ولّيتُ دعاني الرجل فقال: ما هو إلاّ ما رأيتَ، غيرَ أني لا أجِد في نفسي لأحدٍ منَ المسلمين غشًّاً ولا أحسدُ أحدًاً على خيرٍ أعطاه الله إياه، فقال عبد الله هذه التي بلَغَت بك، وهي التي لا نطيق.

أيها الأخوة والأخوات في الله: إن سلامة الصدر ونقاء القلب من سمات الأنبياء والمرسلين، فهم أطهر الناس قلوبأً، وأحسنهم سريرة، وأسلمهم صدوراً، أحبوا الخير لأقوامهم وأممهم، وبذلوا كل غالٍ ونفيس في نصحهم وإرشادهم، وتعليمهم وهدايتهم؛ يقول سبحانه عن نوح وهود وصالح ولوط وشعيب عليهم السلام وهم يخاطبون أقوامهم: (أَلَا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ) ويقول تعالى عن نبيه إبراهيم عليه السلام: (وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ * إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيم) أما نبيُّنا محمد صلى الله عليه وسلم فقد منَّ الله عليه بانشراح الصدر، وسلامة القلب، وطهارة النفس؛ فقال سبحانه: (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ) عباد الله: إن سلامة الصدر تعني سلامته من كل غل وحسد وحقد وكراهية وبغضاء على الناس والمسلمين، وهي من أعظم الخصال وأشرف الخلال، ولا يقوى عليها إلا الأقوياء الصادقون. ولقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم أحرص الناس على سلامة قلبه، فكان من دعائه فِي صَلَاتِهِ أنه يقول: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ قَلْباً سَلِيماً وَلِسَاناً صَادِقًاً). وكان صلى الله عليه وسلم يقول: (لَا يُبَلِّغُنِي أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِي عَنْ أَحَدٍ شَيْئاً فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْكُمْ وَأَنَا سَلِيمُ الصَّدْرِ). إن سلامة الصدر ونقاءه، مفتاح المجتمع المتماسك، الذي لا تهزه العواصف، ولا تؤثر فيه الأحداث والفتن والمحن، وكيف يا ترى يكون مجتمع تسوده الدسائس والصراعات والمؤامرات والفتن، وتمتلئ قلوب أفراده غشاً وحسداً وحقداً وكراهية وأمراضاً؟ أفذاك مجتمع أم غابة وحوش وذئاب؟ الله المستعان على مانرى ونسمع ونشاهد في هذا الزمان الغريب، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

أيها المؤمنون: إن سلامة الصدر فيها صدق الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فقد كان أسلم الناس صدراً، وأطيبهم قلباً، وأصفاهم سريرة. وشواهد هذا في سيرته كثيرة، ليس أعظمها أن قومه أدموا وجهه يوم أحد، وشجوا رأسه، وكسروا رباعيته، فكان يمسح الدم عن وجهه الشريف ويقول:(اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون).

وقد ضرب السلف الصالح من الصحابة وآل بيت النبي الكريم والتابعين رضي الله عنهم، ضربوا أروع الأمثلة في سلامة الصدور وطهارة القلوب اقتداءً بنبيهم صلى الله عليه وسلم، فكان لهم من هذه الصفة أوفر الحظ والنصيب، فلقد كانوا رضي الله عنهم صفاً واحداً، يعطف بعضهم على بعض، ويرحم بعضهم بعضاً، ويحب بعضهم بعضاً، كما وصفهم جل وعلا بذلك حيث قال: (وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) وكما قال جل ذكره في وصفهم: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً) وقد كان لسلامة الصدر عند الأصحاب منزلة كبرى حتى إنهم جعلوها سبب التفاضل بينهم، وجاء في وصفهم،: (بأن الأفضل عندهم الأسلم صدراً، والأقل غيبة) وقد قال سفيان بن دينار لأبي بشر وكان من أصحاب الإمام علي: أخبرني عن أعمال من كان قبلنا؟ قال: كانوا يعملون يسيراً ويؤجرون كثيراً. قال سفيان: ولم ذاك؟ قال أبو بشر: لسلامة صدورهم.

أيها الأخوة والأخوات في الله: إن المرء لا ينقضي عجبه من ذلك الجيل الرباني الصالح الكريم الفريد، الذي رباهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصنعهم على عينه، حيث إن قلوبهم بقيت صافية وسليمة، طيبة السريرة، رغم ما وقع بينهم من فتن كبار، أشهرت فيها السيوف، واشتبكت فيها الصفوف، وقتل فيها من قتل، فلا إله إلا الله، ما أطيب المعشر وأكرمه… ومن تلك المواقف ما حفظه التاريخ عن سلفنا الصالح رضوان الله عليهم: فعن عامر الشعبي رحمه الله قال: رأى الأمام علي بن أبي طالب طلحة بن عبيد الله في واد ملقى على وجهه مقتولاً – بعد وقعة الجمل التي كانت بين علي وبين عائشة وطلحة والزبير رضي الله عنهم – فنزل علي فمسح التراب عن وجه طلحة وقال وهو يبكي: عزيز علي يا أبا محمد أن أراك مجندلاً في الأودية تحت نجوم السماء إلى الله أشكو عجري وبجري).(أي أحزاني وهمومي). ودخل على عليّ بن أبي طالب عمران بن طلحة بن عبيد الله فقال له علي: إني لأرجو أن يجعلني الله وأباك من الذين قال الله فيهم: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ) وحضرت الوفاة أبا دجانة الأنصاري رضي الله عنه وكان وجهه يتهلل فقيل له في ذلك فقال: (ما من عمل شيء أوثق عندي من اثنتين: كنت لا أتكلم فيما لا يعنيني، والأخرى فكان قلبي للمسلمين سليماً)… وأُثِر عن أبي الدَّرداء رضي الله عنه أنَّه كان يدعو لسبعين من أصحابه، يسمِّيهم بأسمائهم، وهذا العمل علامة على سَلَامة الصَّدر.. وضُرب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله في زمن الخليفة المعتصم ضرباً شديداً، فلما كان زمن المتوكل أحس الإمام بأذى في ظهره، فإذا هي لحمة فاسدة التأم عليها الجرح، ولم يكن بد من شق الظهر وإخراجها، قالوا: (فلما أحس الإمام بألم المبضع وحر الشق قال اللهم اغفر للمعتصم). فيا سبحان الله، يستغفر لمن كان سبباً في ألمه! إنه منطق عظيم لا تعرفه القلوب الضيقة والنفوس الصغيرة.

لا يحْمِلُ الحِقْدَ مَنْ تَعْلُو بِهِ الرُّتَبُ

                                        ولا ينالُ العلى من طبعهُ الغضبُ

ومرض الإمام الشافعي رحمه الله فعاده بعض أصحابه فقال له: (قوى الله ضعفك! فقال الشافعي: (لو قوى ضعفي لقتلني! فقال: (يا إمام والله ما أردت إلا الخير، فقال أعلم أنك لو شتمتني ما أردت إلا الخير). وآعجباه!! إنها قلوب تسامت عن ذاتها، وتعالت عن الغضب لنفسها. وقال أخ صديق للزاهد الواعظ أبو العباس الكوفي رحمه الله: (موعدنا غداً نتعاتب، فقال له أبو العباس: بل موعدنا غداً نتغافر ونتسامح). وهو جواب يأخذ بمجامع القلوب، فلماذا التعاتب المكفهِر بين الإخوة كل منهم يطلب من صاحبه أن يكون معصوماً؟ أليس التغافر والتسامح وسلامة الصدر أولى وأطهر وأبرد للقلب؟ أليس جمال الحياة أن تقول لأخيك كلما صافحته: رب اغفر لي ولأخي هذا، ثم تضمر في قلبك أنك قد غفرت له تقصيره تجاهك؟ بلى والله… ودخل رجل على عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى، فذكر له عن رجل شيئاً، فقال له عمر: إن شئت نظرنا في أمرك، فإن كنت كاذباً، فأنت من أهل هذه الآية: (إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا) وإن كنت صادقًاً، فأنت من أهل هذه الآية: (هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ) وإن شئت عفونا عنك، فقال: العفو، يا أمير المؤمنين، لا أعود إليه أبداً) وعن الفضل بن أبي عيَّاش رحمه الله قال: (كنت جالساً مع وهب بن منبِّه، فأتاه رجل، فقال : إنِّي مررت بفلان وهو يشتُمك. فغضب، فقال: ما وجد الشَّيطان رسولاً غيرك؟ فما بَرِحْت من عنده حتَّى جاءه ذلك الرَّجل الشَّاتم، فسلَّم على وهب، فردَّ عليه، ومدَّ يده، وصافحه، وأجلسه إلى جنبه) ومن قبل ذلك قال هابيل لأخيه قابيل وقد هم بقتله وتوعده (لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ)

اللهم طهر قلوبنا من كل خلق لا يرضيك، اللهم طهر قلوبنا من الغل والحقد والحسد والكبر والنفاق، ومن كل سوء يا رب العالمين.

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه والتابعين لهم بإحسان.

أما بعد فيا أيها المسلمون والمسلمات: إن لسلامة الصدر أسباباً وطرقاً لابد من سلوكها. فمن تلك الأسباب الإخلاص لله تعالى والإقبال على كتابه الذي أنزله شفاء لما في الصدور يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) فكلما أقبلت يا عبد الله على كتاب الله تلاوة وحفظاً وتدبراً وفهماً صلح صدرك وسلم قلبك.. ومن أسباب سلامة الصدر دعاء الله تعالى أن يجعل قلبك سليماً من الضغائن والأحقاد على إخوانك المؤمنين، وتبتعد عن سوء الظن فإنه بئس سريرة المرء، يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ وَلَا تَحَسَّسُوا وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَاناً). فانظر كيف بدأ بالنهي عن سوء الظن لأنه الذي عنه تصدر سائر الآفات المذكورة في الحديث، فالواجب عليك يا عبد الله أن تطهر قلبك من سوء الظن ما وجدت إلى ذلك سبيلاً، وتحمل الكلمات والمواقف على أحسن المحامل: يقول الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا تظن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن شرّاً، وأنت تجد لها في الخير محملاً.. ومن طرق إصلاح القلب وسلامة الصدر إفشاء السلام بين المسلمين، يقول صلى الله عليه وسلم: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ) وقد أجاد من قال:

قد يَمكثُ الناسُ دَهراً ليسَ بينَهُمُ

                                      وِدٌّ فيزرعُهُ التسليمُ واللُطفُ

ومن الطرق لسلامة الصدر، التماس الأعذار، والتغاضي عن الزلات والهفوات، يقول أحد السلف: (التمس لأخيك المسلم سبعين عذراً، فإن لم تجد فلعل له عذراً لا تعلمه)، ويقول ابن سيرين رحمه الله: (إذا بلغك عن أخيك شيءٌ فالتمس له عذراً، فإن لم تجد فقل: لعل له عذراً لا أعرفه) ومن الأسباب المعينة على سلامة الصدر: الإحسان إلى الفقراء والأرامل والأيتام والمحتاجين؛ فقد قال الله عز وجل: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)

ومنها الهدية والمواساة بالمال فإنها تذهب وحر الصدر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تهادوا تحابوا) فلو كان بين إنسان وأخيه شيءٌ فأهدى له هدية، فلا شك أن مثل هذه الهدية كفيلة في الغالب بإذهاب ما في القلب، فهذه من العلاجات الشرعية.

ومن الأسباب المعينة على سلامة الصدر: إصلاح ذات البَيْن: فلا ينبغي ترك المشاكل تتكاثر، والصراعات تتفاقم، والعداوات تدوم حتى توغر الصدور وتملأ القلوب حقداً وكراهية وبغضاءَ.

ومن سبل سلامة الصدر، الإيمان بالقدر، فإن العبد إذا آمن أن الأرزاق مقسومة مكتوبة، رضي بما هو فيه ولم يجد في قلبه حسداً ولا حقداً لأحد من الناس على خير أعطاه الله إياه.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انظروا إلى من هو أسفلَ منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقَكم فإنه أجدَرُ أن لا تزدَروا نعمةَ اللهِ عليكم)

تلك يا عباد الله هي سلامة الصدر بما كانت عليه من فضل وعاقبة، غفل عنها الكثيرون منا، فبتنا لفقدها نرى أسباباً للتشاحن والكراهية والتباغض تنخر في جسد الأمة المنهك، لتنكأ جراحه وتفري عظامه، فتزيد من آلامه وفرقته. نسأل الله جل وعلا أن يجمع شتاتنا ويؤلف بين قلوبنا ويطهرها من الحسد والنفاق والرياء والشقاق وسيء الأخلاق.

اللهم اجعل قلوبنا سليمة على الناس أجمعين، اللهم طهر قلوبنا من كل غلٍ وحقدٍ وحسدٍ وغش وبغضاء، اللهم اجعل قلوبنا تقية نقية، واجعلها سليمة يا رب العالمين، اللهم اجعلنا ممن يأتيك يوم القيامة بقلبٍ سليم، واغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم.. اللهم إنا نسألك رحمة من عندك تهدي بها قلوبنا وتجمع بها شملنا وتلم بها شعثنا، وتدفع بها الفتن والمحن عنا يا أرحم الراحمين.

اللهم آمنا في وطننا وفي خليجنا واحفظه من كل سوء ومكروه واجعله آمنا مطمئنا سخاء رخاء وأظله بظل الإسلام والإيمان، وبنعمة الأمن والأمان والاستقرار والوحدة، وألف بين قلوبنا رعاة ورعية، وأهد الجميع للتي هي أقوم… اللهم وفق ولاة أمورنا، وفق ملكنا حمد بن عيسى وولي عهده رئيس وزرائه سلمان بن حمد، وفقهم لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين.

اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان ناصراً ومؤيداً، اللهم احقن دمائهم، وألف بين قلوبهم، وولي عليهم خيارهم.

اللهم أحفظ بيت المقدس والمسجد الأقصى وأهله واجعله شامخاً عزيزاً عامراً بالطاعة والعبادة إلى يوم الدين.

اللهم اشفِ مرضانا، وعاف مبتلانا، وارحم والدينا وارحم موتانا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا، واختم بالباقيات الصالحات أعمالنا..

الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ وَزِدْ وَبَارِكَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ.

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)

  

         خطبة جامع الفاتح الإسلامي – عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين